عادات الإنسان و أنماطه السيئة
عادات الإنسان و أنماطه السيئة : ألوقوع في الهاوية!..."
الدكتور حسن يوسف حطيط
برزت في عصرنا الحاضر إشكالية المخاطر الحالية والمستقبلية التي تحيط بحياة الإنسان من جميع جوانبها الاجتماعية و الصحية و البيئية, وتبين أن الكثير من هذه المخاطر الداهمة تزداد وضوحا و بروزا في المجتمعات و الجماعات التي تتعرض لآثار الإفساد والتلوث البيئي من جهة, أو لظهور أنماط و عادات اجتماعية و غذائية و استهلاكية سيئة اتخذت الإسراف و الإفراط والبغي سمات دائمة.
الإسراف و الإفراط في العادات و الأنماط الفردية و الجماعية :
تتكاثر يوما بعد يوم العادات و الأنماط الإستهلاكية و الغذائية و الإجتماعية السيئة التي يتعرض لها الفرد و يدمن عليها دون إدراك أضرارها المتعددة عليه و على محيطه, و دون معرفة مخاطرها القاتلة على المدى القريب و المدى البعيد. و تأخذ هذه العادات و الأنماط السيئة في معظم الأحيان طابعا جماعيا تفرض به نفسها على المجتمعات و تحجب عن العيان آثارها الخبيثة القاتلة إلى أن يفوت الأوان.
تتنوع العوامل الخطرة و الأنماط السيئة و المؤثرات السلبية المرتبطة بشكل مباشر أو غير مباشر بهذه الأمراض القاتلة, كما تتعدد و تختلف كيفية ظهورها و نوعية آثارها من حالة إلى أخرى, و يصعب حصر نتائجها على كافة الصعد والميادين.
ظوا هر الإسراف و العادات الإستهلاكية و الأنماط الغذائية و الإجتماعية السيئة :
تشمل كل العادات و الأنماط المضرة بصحة الإنسان و المؤدية إلى الإصابة بأمراض خطيرة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة عبر ألإدمان عليها أو الإسراف و الإفراط فيها, و أهمها :
_ الإفراط الغذائي و الإستهلاكي و السلوكي : يشمل الإكثار من تناول الأطعمة الغنية بالدهون و البروتيينات و النشويات, و بالمقابل الإقلال من تناول الأطعمة الغنية بالألياف و الفيتامينات و المعادن (كأحد أهم الأسباب الرئيسية لسرطان الجهاز الهضمي و ارتفاع نسبة الدهون في الدم و البدانة المفرطة و غيرها من الإشكالات الخطيرة).
كما يشمل ظواهر الإفراط من تناول السكاكر و الحلويات (و خاصة عند الأطفال) و الأطعمة المجففة و المدخنة و المقددة (كأحد أسباب سرطان المعدة), و بعض العادات الإجتماعية التقليدية و الموروثة السيئة كتناول المشروبات الساخنة جدا (كأحد أسباب سرطان المرى ء), أو كمضغ بعض المركبات الكيميائية المخلوطة (كأحد أسباب التقرحات المزمنة و سرطان الفم), أو كظاهرة الأفراط من التعرض لأشعة الشمس لأسباب ترفيهية و تجميلية (كسبب رئيسي في ظهور سرطان الجلد).
_ التدخين بأنواعه المختلفة : الدخان هو خليط مركب من أكثر من 4 آلاف مادة كيميائية, صنفت أكثر من 50 منها على أنها مسببة للسرطان. و تمكث هذه المواد الضارة في الهواء و تسبب ما يسمى بالدخان الثانوي الذي يعتبر أهم ملوثات الهواء في الأماكن المغلقة و الذي هو مسؤول, على سبيل المثال لا الحصر, عن 3000 حالة وفاة سنويا في الولايات المتحدة الأميركية نتيجة الإصابة بسرطان الرئة فقط.
كما أكدت الدراسات العلمية أنه بالإضافة إلى علاقة التدخين المباشرة بأمراض و اضطرابات خطيرة كأمراض القلب و الصدر و الأوعية الدموية و الإجهاض المفاجى ء, ثبتت علاقة التدخين بأنواع مختلفة و متنوعة من السرطان الخبيث كسرطان الفم و الحنجرة و البلعوم و المرى ء و الرئة و البنكرياس و المثانة و الكلى و عنق الرحم و غيرها.
_ ألمشروبات الكحولية بأنواعها : ثبتت علاقة المشروبات الكحولية بأنواعها المختلفة بظهور أمراض متعددة و آفات عصبية و نفسية و اجتماعية خطيرة, هذا بالإضافة إلى أنواع كثيرة من السرطان كسرطان الكبد و المرى ء و المعدة و الأمعاء الغليظة و المستقيم و الفم و الحنجرة و البلعوم. كما لا يسعنا إلا أن نذكر دور الكحول في ظهور إشكالات خطيرة يصعب التعامل معها كالنزف الهضمي و الإجهاض المفاجى ء و هشاشة العظام و الكسور و العجز الجنسي.
_ آفة المخدرات بأنواعها : تتكاثر المخدرات بأنواعها المختلفة في عصرنا الحاضر, بسرعة هائلة, و تجتاح بآفاتها و أخطارها المتعددة الدول الفقيرة و الغنية على السواء.
تتنوع المواد المخدرة من دولة إلى دولة و تختلف من طبقة إجتماعية إلى أخرى, فمنها ما هو مصنع و مستحضر من مركبات كيميائية و منها ما هو طبيعي و مستخرج من النباتات و الأشجار و منها ما هو يجمع بين النوعين. كما تتنوع آثار المخدرات و تتوزع على مجالات و صعد عديدة منها ما هو صحي بدني أو عقلي أو نفسي و منها ما هو إجتماعي أو تربوي أو إقتصادي.
تنقسم المخدرات إلى مجموعات عدة تتألف بدورها من أنواع مختلفة يتغير شكل الإدمان عليها من حالة إلى أخرى, نذكر منها : عقاقير الهلوسة (كعقار الأل - اس - دي), و المنومات (كالفينوباربيتال), و مثبطات الجهاز العصبي (كالأفيون و الهيرويين), و المنشطات (كالكوكايين و القات و الأمفيتامينات), و المهدئات (كالفاليوم), و الحشيش, و المستنشقات التي تعتبر, حاليا, أهم أنواع المخدرات على الإطلاق و أكثرها فتكا بالإنسان لما تسببه من اضطرابات خطيرة و أضرار بالغة في الجهاز العصبي و القلب و الكبد و الكلى, هذا بالإضافة إلى حالات الغيبوبة و الموت المفاحى ء. ولقد بلغ الإنسان, في هذاالمجال حدا لا يصدق و لا يوصف من البغي و الإفراط و الإنهيار إذ صار يتعاطى, في حال عدم وجود مبتغاه, إستنشاق مواد غريبة كالبنزين و مزيل طلاء الأظافر وسائل وقود الولاعات و مخفف الطلاء و روث البقر و لاصق الغراء و عوادم أشكمانات السيارات.
_ الإنحرافات والعادات الجنسية السيئة : ترتبط الإنحرافات الجنسية بشكل عام و العلاقات الجنسية المتعددة خارج الزواج و الممارسات الجنسية المحرمة باضطرابات اجتماعية و نفسية و عصبية و جسدية سيئة الأبعاد و النتائج. و أهم هذه الإضطرابات على الإطلاق هي الأمراض الجرثومية و ما يترتب عليها من أعراض و إشكالات, وخاصة ما ينتج عن بعضها من تغيرات سرطانية في الخلايا و نشوء أورام خبيثة, كالتي تصاحب التهابات فيروس الثألول البشري في عنق الرحم و الشرج و المهبل. هذا بالإضافة إلى ما يعرف إلى الآن و ما يكتشف حاليا من إشكالات خطرة على حياة الإنسان تنتج عن داء نقص المناعة المكتسبة و فيروس الإيدز الذي يفتك, بشكل خاص, بجماعات المنحرفين و الشاذين جنسيا.
_ ظاهرة الخمول البدني : تعتبر ظاهرة الخمول البدني مع ما تشمله من مظاهر مختلفة كانعدام الرياضة وحياة " القعدة " و الجلوس ساعات طويلة أمام التلفاز و الحاسوب و وراء المكتب و الإستعمال الدائم للسيارات و الحافلات و قلة الحركة و النشاط البدني, أهم أسباب الأمراض المعروفة حاليا بأمراض العصر الفتاكة كالسكري و البدانة المفرطة و أمراض القلب و الأوعية الدموية.
و لقد بينت الإحصاء ات أن ستة من كل عشر وفيات ناتجة عن السكري, و أمراض القلب و الشرايين, و الأورام الخبيثة ترتبط بانعدام الرياضة, خاصة في الدول المتقدمة و الغنية. كما أصبح من الواضح حاليا أن أهم تحد يواجه البشرية جمعاء, لتسببه بأكثر الأمراض نسبا في الوفيات في عصرنا الحاضر, هو نمط الحياة الجلوسية المفرطة ومع ما يصاحبها من بدانة و خمول و انعدام النشاط و الحركة.
_ ظاهرة الإكتئاب المفرط : تصف منظمة الصحة العالمية الإكتئاب بأنه اضطراب عقلي يصيب حوالي 340 مليون شخص في العالم. تشمل أعراض الإكتئاب فقدان الإهتمام بالأشياء و الإحساس بعدم الأهمية و بعدم السعادة و ضعف المزاج و عدم القدرة على التركيز و إحساس عام بالخمول.
يعد الإكتئاب المفرط من الأمراض القاتلة حيث إن 15 % من المصابين ينتهي بهم الأمر إلى الإنتحار, كما أن الإحصائيات أظهرت أن 50 % من المنتحرين يمرون بفترة من الإكتئاب في وقت من الأوقات. هذا عدا عن وجود علاقة مباشرة بين الإكتئاب و ازدياد نسب الوفيات نتيجة الإصابة بأمراض أخرى كالسرطان و أمراض القلب و الشرايين.
لهذا كله, يعتقد أن الإكتئاب سيشكل السبب الرئيسي للإعاقة في العالم و من أهم الأعباء التي ستواجهها البشرية عند حلول سنة 2020 م.
في المقابل, نجد أن الإنسان نسي نفسه و تناسى ماضيه و حاضره و مستقبله, بعدما نسي معالم الحياة المثلى و أساليب العيش الكريم وأنماط العلاقات المتوازنة التي حددها له خالقه الكريم, جل و علا, و ضبطها ضمن موازين وأسس و منظومات واضحة منسقة مترابطة, لا إفراط فيها و لا تفريط, و لا طغيان فيها و لا نقصان, مبنية على العدل و القسط و التوازن.
ظاهرة الإفساد البيئي :
يعاني عالمنا الحاضر, في عصرنا الحالي, و بشكل متزايد من وجود هواء ملوث بجميع أنواع الإشعاعات النووية و الغازات المنبعثة السامة و الملوثات الكيميائية و الصناعية و العضوية, هذا عدا عن نشوء ظاهرتي " الإحتباس الحراري " و " تآكل طبقة الأوزون " الشديدتي الخطورة على الحياة بجميع أشكالها على كرتنا الأرضية.
و لقد أفادت الدراسات الحديثة أن هواء المدن الملوث يزيد من مخاطر الإصابة بالسرطان, هذا بالإضافة إلى أمراض القلب و الرئتين. كما برهنت الدراسات وجود علاقة مباشرة بين التعرض المتزايد للهواء الملوث بجسيمات دقيقة شديدة الصغر صادرة عن الإنبعاثات الصناعية و وقود الحافلات و المبيدات الزراعية و غيرها من الملوثات, و زيادات ملحوظة في نسب وفيات السرطان خاصة في حالة سرطان الرئة.
و في نفس الوقت, ثبت للباحثين المختصين و بعد تتبع و دراسة آثار التجارب النووية على الإنسان و الحيوان أن الإشعاعات المؤينة تخترق الأنسجة و الخلايا و تشوه محتويات نواتها من الكروموزومات و الأحماض الأمينية لتتسبب في ظهور أورام خبيثة و متنوعة.
كما أظهرت دراسات أخرى نتائج متشابهة بعد تتبع و إحصاء ودراسة الآثار الناتجة عن استهلاك أطعمة ملوثة إشعاعيا أو معالجة نوويا بطريقة خاطئة بهدف حفظها و تعليبها.
كما يجب أن لا ننسى, أخيرا, الآثار المدمرة و القاتلة للأسلحة النووية التي استخدمت قديما و حديثا في حروب عالمية و إقليمية و تسببت في ازدياد هائل في نسب وفيات السرطان.
و في هذا المجال, أقر خبراء من منظمة الصحة العالمية, منذ مدة قريبة, أن التلوث البيئي يؤدي لمقتل 3 ملايين طفل سنويا دون سن الخامسة في الدول النامية و الفقيرة, خصوصا في قارة آسيا. و كان من أبرز المخاطر البيئية التي يتعرض لها هؤلاء الأطفال قيام بعض الدول برمي نفاياتها السامة في السهول و الأنهار حيث يستحم و يشرب الأطفال في الأرياف, و انبعاثات الرصاص في المدن و الأماكن القريبة من مكبات النفايات, و التلوث الجوي الناتج عن الاستخدام الكثيف للطاقة و التوسع الصناعي.
في نهاية المطاف, لا يسعنا إلا أن نؤكد على أن الإنسان هو الذي أوقع نفسه في هذا المأزق المريع و هو الذي ألقى بنفسه و جعلها بين مطرقة هذا الوحش الذي ركبه من إسرافه الفردي وبغيه النمطي و إفراطه الإستهلاكي و خسرانه النفسي, و بين سندان الرمضاء الموحشة التي جعلها مرتعا له بعد إفساده بيئته, و تدميره العبثي للنعم التي اؤتمن عليها, و نسيانه لمهمة إعمار الكون التي كلف به و جعل على أساسها خليفة الخالق على الأرض. لذلك كله, لا سبيل للإنسان في هذا الليل المظلم و لاخلاص له من هذه الكارثة المحتمة إلا بالرجوع إلى خالقه و العودة إلى التمسك بالأمانة التي قبلها في مهمته و تحمل المسؤولية في إعادة إعمار ما خربت يداه, حتى لا يفوت الأوان.