زادك في دقائق
عنوان الزاد : قضاء حوائج المؤمنين
إن النواقص التي في حياة بني آدم: مرضاً، أو فقراً، أو وهناً، أو همّاً، أو حزناً؛ فيها ثلاث فوائد:
الفائدة الأولى: رفع الدرجات.. إن المؤمن الذي حساباته نظيفة مع رب العالمين، فإن كل بلية ترد عليه؛ هذه البلية ترفع درجته.
الفائدة الثانية: كفارة السيئات.. إن كل بلية ترد على المؤمن، إن لم تكن رفع درجات، فهي تكفير سيئات.. وفرق بين سيئة إن بقيت يحاسب عليها يوم القيامة بدخول نار جهنم سنة مثلاُ، وبين أن يصاب ليلة بصداع في الحياة الدنيا!..
الفائدة الثالثة: إثابة للبعض.. إن النقص في حياة المؤمنين، مقدمة لإثابة البعض.. وهذا ما يسمى بقضاء حوائج الأخوان، مثلاً: هناك إنسان متورط، رب العالمين ابتلاه بآفة، أو بفقر؛ فهذه مادة لأن يترقى المؤمن في طاعة الله عز وجل، وذلك بأن يقضي حاجة ذلك المبتلى.. وهناك في تراث أهل البيت (ع) روايات كثيرة ومذهلة، تحث على قضاء حوائج المؤمنين!..
قال الإمام الباقر (ع): (أوحى الله -عز وجل- إلى موسى (ع): أن من عبادي لمن يتقرب إليّ بالحسنة، فأحكمه في الجنة.. قال موسى (ع): يا رب وما تلك الحسنة؟.. قال: يمشي مع أخيه المؤمن، في قضاء حاجته قضيت أم لم تقض).. يذكرنا هذا الحديث، بجعفر الطيار أو بقمر العشيرة العباس، حيث أن لهما جناحين يطيران فيهما في الجنة.. وكما هو معلوم هناك فرق بين إنسان له منطقة محدودة في الجنة، وبين إنسان يطير من درجة إلى درجة.. وهذا العبد الذي يقضي حاجة أخيه المؤمن؛ له هذه الخاصية.
(يمشي مع أخيه المؤمن).. لم يقل: دعا، بل قال: يمشي.. فإذن، هناك سعي حثيث في هذا المجال!.. إذا دعاك مؤمن لقضاء حاجته من شخص، لا تتذرع أن هذا الشخص لا يسمع كلامك، بل اذهب معه، وتكلم في قضاء حاجته؛ قضيت أو لم تُقض فأنت مأجور من الطرفين.. عن أبي جعفر (ع) قال: (إن المؤمن لترد عليه الحاجة لأخيه، فلا تكون عنده؛ فيهتم بها قلبه، فيدخله الله -تبارك وتعالى- بهمّه الجنة).. مثلاً: أحدهم طلب من أخيه قرضاً بألف دينار، وهو لا يستطيع أن يقدم له يناراً واحداً؛ فيدخله الهمّ والغمّ، ويدعو لرفع همه وغمه.. كم من الجميل أن يأتي إنسان يطلب منك قرضاً، فتقول له: ليس عندي، وتذهب إلى زاوية تصلي ركعتين لقضاء حاجته!.. هذه الحركة عند الله -عز وجل- مشكورة!..
مواصفات عطاء المؤمن:
إن أمير المؤمنين (ع) يضع ثلاث مواصفات قياسية، لقضاء حوائج الناس.. يقول (ع): (لا يستقيم قضاء الحوائج إلا بثلاث: باستصغارها لتعظم، وباستكتامها لتظهر، وبتعجيلها لتهنؤ).
أولاً: التصغير.. إن الإنسان عندما يقدم مساعدة للغير، ما العمل الذي قام به؟.. المال مال الله -عز وجل- وهذا العبد عيال الله -عز وجل-، وهو قام بنقل المال بأمر صاحبه من مكان إلى مكان.. مثلاً: لو أن إنساناً دخل منزلاً، فطلب منه صاحب المنزل، أن ينقل بعضاً من المتاع من زاوية إلى أخرى: فإذا قام بذلك، فهو مشكور على عمله، ولكنه لم يعمل عملاً عظيماً!.. فالمال ماله، وهو الذي طلب منه أن ينقل الأثاث من مكان إلى مكان آخر.. نعم، يثاب على استماعه للكلام، وإلا فهو حقيقة ما عمل شيئاً.. وكذلك بالنسبة إلى قضاء الحوائج: المال مال الله -عز وجل- في جيبه، ورب العالمين طلب منه أن ينقل هذا المال من جيبه إلى جيب فلان؛ فإذا سمع الكلام، فهو إنسان جيد، ولكن ليس له فضيلة كبيرة!..
ثانياً: الكتمان.. ويقول تعالى في كتابه الكريم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأَذَى}؛ بعض الناس يهدم حسنته بذكرها أمام الآخرين.. لماذا يذكر مؤمناً -له وجاهة، وقد أراق ماء وجهه عنده- أمام الناس؟..
ثالثاً: التعجيل.. أي يجب أن لا يماطل المؤمن بقضاء حاجة الطرف المقابل، فهو قد يقضي له الحاجة بعد إذلال، عندئذ لا قيمة لهذا العطاء.. إذا كان الإنسان لا يمكنه قضاء حاجة أو مساعدة من طلب منه المساعدة؛ فليصرّح له بالأمر، ولا يجعله يعلق آمالاً في الهواء.
إنْ أصبح الإنسان مصدراً لمراجعة الناس؛ فليشكر الله -عز وجل- على هذه النعمة، عن الإمام الحسين (ع): (واعلموا أن حوائج الناس إليكم، من نعم الله عليكم.. فلا تملوا النعم، فتحور نقماً).. هنيئاً لأصحاب قضاء الحوائج!.. فلا تملوا النعم، فترحل عنكم إلى غيركم؛ لأن رب العالمين لا حاجة له بالملول {وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ}.