زادك في دقائق
عنوان الزاد : حالات الإعراض في القلب
إن جلّ اهتمام عامة الناس بعوارض البدن.. يصاب أحدهم بصداع بسيط؛ فيذهب هنا وهناك، وإذا لم يشف يذهب إلى أرقى المستشفيات في بلاد بعيدة، لعلاج ظواهر أمراض البدن.. وهذا أمر لا يعاتب عليه الإنسان؛ إنه شيء طبيعي.. أما أعراض القلب: إقبال وإدبار، قبض وبسط.. القلب: يموت، ويخدر، ويمسخ، ويختم عليه {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ}؛ أحدنا لا يبالي إلى أين وصل قلبه.. الدنيا تنتهي، ويصير هذا البدن طعاماً للحشرات، والديدان، وهوام الأرض.. وهذه الروح يصعد بها إلى الملأ الأعلى، يقول تعالى في كتابه الكريم: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً}.. الخطاب هنا للنفس، وليس للبدن.. إذن القلب هو الذي يُقيّم، وعلى أساسه يكون الخلود في الجنة أو النار.
إن أمير المؤمنين (ع) هو طبيب القلوب، وكلام الإمام كلام واقعي وقريب إلى مزاجنا، يقول: (إن للقلوب شهوة، وإقبالاً، وإدباراً.. فأتوها من قبل شهوتها وإقبالها، فإن القلب إذا أُكره عمي).
(إن للقلوب شهوة، وإقبالاً، وإدباراً).. أي أن الإنسان ليس دائما في حالة تهيؤ لإقامة نافلة الليل، أو لقراءة القرآن، أو للدعاء.
(فأتوها من قبل شهوتها وإقبالها).. إن أحسّ الإنسان في نفسه إقبالا، عليه أن يستنفذ هذه الحالة.. مثلا: ذهب إلى الحرم المكي، أو المدني، أو مشاهد أئمة أهل البيت (ع)؛ وفي قلبه إقبال؛ فليبق في الحرم إلى أن تذهب هذه الحالة.. فمن يقطع هذا الإقبال، لأي سبب دنيوي؛ من الطبيعي أن يحرم الإقبال ثانية.
فإذن، المؤمن ينظر إلى مزاجه، إذا رأى في مزاجه إقبالا، يحاول أن يمشي إلى آخر الخطوات.. فالإقبال ضيف؛ إن أكرمته بقي وإلا ذهب.. الضيف إن لم تكرمه؛ يذهب.. وهذه الحالة إكرامها بأن تُعطى حقها.
(فإن القلب إذا أُكره عمي).. إن الإنسان الذي يصلي، ويقرأ القرآن، وهمه آخر الجزء؛ هذا الإنسان في يوم من الأيام، يكره العبادة، ويعمى قلبه.. لا ينبغي للإنسان أن يرهق نفسه في المستحبات، إذا لم يجد إقبالا!.. قد يقول قائل: إذا عملنا بهذا الكلام، نفلس في سوق الآخرة!.. هناك جوابان على هذا التساؤل:
أولاً: الذي لا يقوم للنوافل، عليه أن يتقن الفرائض.. في بعض الروايات: قال رسول الله (ص): (قال الله تعالى: إن من عبادي المؤمنين، لمن يجتهد في عبادتي، فيقوم من رقاده، ولذيذ وساده.. فيجتهد لي الليالي، فيتعب نفسه في عبادتي؛ فأضربه بالنعاس الليلة والليلتين؛ نظراً مني إليه وإبقاءً عليه.. فينام حتى يصبح، فيقوم وهو ماقت (لها) زارئ عليها.. ولو أخلي بينه وبين ما يريد من عبادتي؛ لدخله العجب من ذلك.. فيصيره العجب إلى الفتنة بأعماله، فيأتيه من ذلك ما فيه هلاكه لعجبه بأعماله، ورضاه عن نفسه، حتى يظن أنه يتقرب إلي).. الليلة الماضية كان متألقا، هذه الليلة ينام؛ ليعاتب نفسه (يا آدم!.. أنين المذنبين أحب إلينا من تسبيح المرائيين).. فمن فاتته نافلة الليل، فليتقن الواجبات.. علي (ع) لا يتكلم عن الواجبات، الواجب لابد من إتيانه.. ولكن ذلك اليوم الذي فاتته فيه صلاة الليل: فليتعمد الذهاب إلى المسجد، كي يصلي جماعة، وبتوجه.. من المعلوم: "أن نقص الفرائض، تجبر بالنوافل" كما ورد في الروايات.. ولكن من الممكن القول أيضا: أن الواجبات إذا أُتقنت تجبر النوافل.
ثانياً: الإمام (ع) يتحدث عن الإدبار المرحلي المتقطع، ولكن إذا كانت كل حياة الإنسان إدبارا، هل يعمل بهذا الكلام؟.. الإنسان الذي عنده إدبار مزمن يحتاج إلى تغيير، هذا قلبه ميت.. المغمى عليه، يعطى صدمة كهربائية، لعله ينتعش!.. ومن يموت قلبه، علاجه يكون بتقديم شكوى إلى الله عز وجل!.. نقرأ مناجاة الشاكين:
(اِلـهي!.. اِلَيْكَ اَشْكُو نَفْساً بِالسُّوءِ اَمّارَةً، وَاِلَى الْخَطيئَةِ مُبادِرَةً، وَبِمَعاصيكَ مُولَعَةً، وَلِسَخَطِكَ مُتَعَرِّضَةً، تَسْلُكُ بي مَسالِكَ الْمَهالِكِ، وَتَجْعَلُني عِنْدَكَ اَهْوَنَ هالِك، كَثيرَةَ الْعِلَلِ، طَويلَةَ الاَْمَلِ، اِنْ مَسَّهَا الشَّرُّ تَجْزَعُ، وَاِنْ مَسَّهَا الْخَيْرُ تَمْنَعُ، مَيّالَةً اِلَى اللَّعِبِ وَالَلَّهْوِ مَمْلُؤةً بِالْغَفْلَةِ وَالسَّهْوِ، تُسْرِ عُ بي اِلَى الْحَوْبَةِ وَتُسَوِّفُني بِالتَّوْبَةِ، اِلـهي اَشْكُو اِلَيْكَ عَدُوّاً يُضِلُّني، وَشَيْطاناً يُغْويني، قَدْ مَلاََ بِالْوَسْواسِ صَدْري، وَاَحاطَتْ هَواجِسُهُ بِقَلْبي، يُعاضِدُ لِيَ الْهَوى، وَيُزَيِّنُ لي حُبَّ الدُّنْيا وَيَحُولُ بَيْني وَبَيْنَ الطّاعَةِ وَالزُّلْفى، اِلـهي اِلَيْكَ اَشْكُو قَلْباً قاسِياً مَعَ الْوَسْواسِ مُتَقَلِّباً، وَبِالرَّيْنِ وَالطَّبْعِ مُتَلَبِّساً، وَعَيْناً عَنِ الْبُكاءِ مِنْ خَوْفِكَ جامِدَةً، وِ اِلى ما يَسٌرُّها طامِحَةً، اِلـهي لا حَوْلَ لي وَلا قُوَّةَ اِلاّ بِقُدْرَتِكَ، وَلا نَجاةَ لي مِنْ مَكارِهِ الدُّنْيا اِلاّ بِعِصْمَتِكَ، فَاَسْألُكَ بِبَلاغَةِ حِكْمَتِكَ وَنَفاذِ مَشِيَّتِكَ، اَنْ لا تَجْعَلَني لِغَيْرِ جُوْدِكَ مُتَعَرِّضاً، وَلا تُصَيِّرَني لِلْفِتَنِ غَرَضاً، وَكُنْ لي عَلَى الاَْعْداءِ ناصِراً، وَعَلَى الَْمخازي وَالْعُيُوبِ ساتِراً، وَمِنَ الْبَلاءِ واقِياً، وَعَنِ الْمَعاصي عاصِماً بِرَأْفَتِكَ وَرَحْمَتِكَ يا اَرْحَمَ الرّاحِمينَ).. هذه الشكاوى إذا اجتمعت -إن شاء الله تعالى- في ليلة من الليالي، أو في يوم من الأيام، هذا القلب يعود إلى حياته بمنه وكرمه.