ماذا تعرف عن العلمانية ؟
الإسلام العزيز الأصيل يتعرض لمواجهات وتحديات عالمية رصينة التخطيط الاستراتيجي ذي الأمد الطويل، ولكنها يستحيل أن تؤثر في الإسلام السماوي، الدين الإلهي الخاتم، والرسالة المهيمنة على الدين كله ولو كره المشركون.
والعَلمانية واحدة من المشاكل التي استهدفت المسلمين والإسلام، وقد كان لها نصيب من الإنجاز على مستوى المسلمين، لكنها خابت وتقزَّمت أمام الإسلام الأصيل العزيز.
العَلمانية مفهوماً:
فيما يلي نعرض لمفهوم العَـلمانية في اللغة والمغالطة الواقعة فيه، و من بعد ننظر في الاصطلاح الثقافي لها.
أولاً: في اللغة
هذا المصطلح نسبة إلى "عالم-العالم" على غير قياس. والمعني به ما يقابل "روحية-اكليركية-كهنوتية" أو ما يقابل "دينية" بوجه عام .
ولما كان هذا المصطلح أجنبياً لاتينياً، فإنه لما تمت ترجمته إلى العربية وقع لبس في "العلمانية" وهل هي بكسر العين أم بفتحها، وشتان ما بين الاثنين .. فالعَـلمانية بالفتح هي نسبة إلى "عالم" على غير قياس كما مر .. وبالكسر هي نسبة إلى "علم" علي غير قياس أيضاً.
"وقد ينحرف البعض في فهمها بجعلها نسبة إلى العلم"
وأن من وسائل الخداع والتمويه ترجمة المصطلح الذي يدل على (لا دينية) في اللغات الأوروبية بـ(علمانية)، لتكوّن انطباعاً لدى الإنسان الساذج بأن هذه الدعوة تتصل بالعلم وتنبع منه، مستغلين الخطأ الاشتقاقي لإيجاد اللَّبس بين النسبة إلى (علم) وبين النسبة إلى (عالم)"
فهذه المغالطة اللغوية لعلها مقصودة، ومستغلة لتمرير وخداع المسلمين، وتهيئة المناخ المناسب لفكرة العَلمانية ومن ثمَّ تقبلها عند عامة المسلمين بدون أي تحرز أو حذر.
ثانياً: في الاصطلاح
العلمانية هي "النهج الحياتي الذي يستبعد أي تأثير أو توجيه ديني على تنظيم المجتمع، والعلاقات الإنسانية داخل المجتمع، والقيم التي تحتويها هذا العلاقات وترتكز عليها-ومن ثم فهي نهج حياتي مادي تكون نتيجة لنمو الفلسفات المادية اللادينية" .
وفي العمق، فإن المضمون لمصطلح العلمانية هو: "أن يتولى قيادة الدولة-الحكم وأجهزته وخدماته-رجال زمنيون لا يستمدون خططهم وأساليبهم في الحكم والإدارة والتشريع من الدين، وإنما يستمدون ذلك من خبرتهم البشرية في الإدارة والقانون وأساليب العيش، وتكون الروح العامة التي توجه الدولة والمجتمع في جميع مؤسساته الثقافية والسياسية والتشريعية وغيرها روحاً غير دينية" .
وبعبارة أخرى،إن العلمانية تعني: "أن تقوم الحياة في المجتمع والدولة على ضوء المعطيات التي يوفرها سير الحياة الطبيعية في العالم، وانطلاقاً من المشكلات التي تثيرها حياة الإنسان في العالم (في الزمان)"
نشأة وظهور العلمانية كان في أوروبا المسيحية في زمن السيطرة الكنيستية على الفرد والأسرة والمجتمع، ونفاذ سلطات الكنيسة على المجتمع والمؤسسة السياسية والإدارية في الدولة.. هذا في العصور الوسطى، أوعصر الظلام الأوروبي.
أما في نهاياته، وبداية عصر النهضة والتغيير، فقد تعرض نظام العلاقات الذي كانت الكنيسة في قمته العليا إلى بعض الاهتزاز والتصدع.. وعلَت أسئلة أساسية حول عدالة الوضع القائم، فقد أخذ الحس القومي ينمو ويرفض الصيغة السياسية للمجتمع الإقطاعي الكنيستي، ويطمح إلى الدولة المركزية القومية التي تلغي الإقطاعيات والحواجز الداخلية بين كل مقاطعة وأخرى.
إلى أن تم إلغاء نظام الإقطاع إثر تحالف القوى السياسية الجديدة.
وقد نتج عن الصراع والتعارض طرح المشكلة السياسية بكل أبعادها، فكيف يتكون المجتمع؟.. ما مركز الفرد فيه وحقوقه وواجباته؟.. ما هي القيادات العليا للمجتمع وما هي بناه الفوقية وما الذي يجعلها قيادات عليا تمارس السلطان؟.. كيف ينظم المجتمع؟.. من يشرع له ومم يستمد التشريع قدسيته؟.. ما الروح التي يقوم المجتمع على أساسها، وتكون متضمنة فيه وتطبعه بطابعها؟"
خصائص الدولة العلمانية:
هنا أطلت العلمانية ودعاتها في مقابل الدولة التي كانت تتمتع فيها الكنيسة بالنفوذ في أوروبا. واصروا على هذه المقوبة : أنه بدلاً من دولة تسيطر عليها الإيديولوجية المسيحية ، لا بد من إقامة دولة لا دينية (علمانية).
لَّما كانت العلمانية تقابل الدينية، فهي تواجه الدين بشكل عام، وقد واجهت المسيحية وتواجهها، وواجهت الإسلام وتواجهه. وما يهمنا كمسلمين هي المواجهة الثانية.
وهنا نمر سريعاً على كل مبرَر يطرحه دعاة العلمانية من جهة الإسلام كدين عزيز:
1.عن الجمود والتحجر في القوانين .. نلاحظ أن هذا الاتهام ساقط لأن الشريعة الإسلامية لم توضع من قبل ممثلي طبقة معينة، ومن ثم فهي لا تحمي مصالح طبقة بعينها، ولأن مبدأ الاجتهاد في الشريعة كفيل بأن يقدم دائماً الصيغ القانونية الملائمة للمتغيرات المختلفة في كل نواحي الحياة
2.فيما يعود إلى التمييز بين المواطنين دينياً .. فالإسلام لا يجبر مواطنيه الذين يخالفونه في الدين على أوضاع وممارسات تتنافى مع إيمانهم الديني.. كما أن التشريع الإسلامي المدني الذي ينظم الحقوق والواجبات ، يعطي من حيث المبدأ مركزاً حقوقياً متساوياً لجميع المواطنين دون استثناء ودون تمييز
3.فيما يرتبط بسيطرة رجال الدين على الحكم نلاحظ أنه لا يوجد في الإسلام ما يسمى بـ(رجال الدين) بالمعنى الطبقي الاجتماعي، لأنه لا يوجد أي معتقد أو تشريع في الإسلام يمكن أن يتكون بسببه أو لأجله جماعة (كهنوت) كالتي وجدت في سائر الأديان الأخرى، لأن العبادة في الإسلام لا تحتاج إلى وسيط، ولأنه ليس في الإسلام أي سر على الإطلاق.
4.الاتهام بأن الإسلام يقف ضد التقدم والعلم ، ساقط بشهادة التاريخ والحاضر اللتان تثبتان أن الإسلام حافز على التقدم .. وقد استطاع أن يكون قوة تقدمية كبرى، بل وحيدة في حقبة طويلة من التاريخ.
خطورة العلمانية
بعد الذي مر عليك آنفاً، نلملم ما مر في فقرة عن خطورة العلمانية، الخطر على المسلمين إذا ركنوا لها فتمسهم نارها ويحترقوا بآثارها، ويبدؤوا بعد ذاك بعضِّ يد الندم، يوم لا يجدي الندم ولا يجنوا حينها إلا الحسرات والويلات على ما فات.
1. النفاق : لعله في كل الحركات والاتجاهات الأرضية لا تُعلن الأهداف بصراحة ووضوح، على خلاف الشرائع السماوية التي تكون جلية بينة.. والعلمانية في مفهومها ومعناها واضحة، لكن مدعيها في العالم الإسلامي لا يظهر ولا يعلن أهدافه أبداً.. إنه يخفيها ويسترها، ولعله يتلبس بالدين ظاهراً وصورةً ويعمل ضده ولهدمه في باطنه وأعماقه.
ومن غير الخفي، أن في هذا خطراً، فالناس لا تعلم بمكامن النفوس، وقد تنخدع بظواهر البعض بسهولة.
2.تعدد الوسائل: تتسلل العلمانية إلى عالمنا الإسلامي في صور كثيرة متنوعة، وكل وسيلة لها مداها وحدود تأثير تضيق وتتسع، وبالجملة تتعاضد كل هذه الوسائل لزلزلة الإسلام عند المسلمين.
3.ضرب فئة الشباب والشابات: لعمري إن المعضلة الكبرى هي في تأثير العلمانية على شريحة الشباب والشابات، والتي هي مكمن قوة أي مجتمع، ومصدر عنفوانه وعزته وشموخه وقوته. فبضربها في دينها، وإبعادها عن دينها، لا تقوم قائمة للإسلام.
4.الثقافة المقنعة: كون العلمانية حركة ثقافية قوية يمكنها خداع السذج العامة، وهم الأكثرية للأسف.. ومن المعلوم أن الأفكار المزيفة والضارة أكثر خطورة وإيذاءاً من الأشياء المزيفة والضارة .. ويكون التخلص من الأفكار-بعد تجربتها-على درجة كبيرة من الصعوبة والخطورة ، لأنه يحدِث تمزقات في البنية الاجتماعية وفي المضمون الثقافي للإنسان ولمؤسساته.