حدود المعاشرة الجنسية
ان كتاب التحفة السنية للسيد عبد الله الجزائري ، شرح لكتاب النخبة للفيض الكاشاني (قدس سرهما ) .. وقد وجدت فيه تحقيقا جميلا عن شهوة للنساء ، والحدود التي ينبغي ان يكون عليها المؤمن في العمل بشهوته .. ولا مانع ان نطرح ما طرحة الاقدمون من علمائنا بلا تحرج ، في كل ما يتصل بوظيفة العبد في الحياة :
واحمد اوقاته إذا قويت الشهوة ، وحصل الانتشار التام لا عن تكلف ، ولا فكرة في مستحسن ( يقصد اثارة الشهوة بالخيال ) ولا نظر إليه ، ولا كثرة رياح منعظة بلا شهوة ( يقصد حالة من التوتر البدني في هذا المجال من دون شهوة حقيقية ) ، بل بسبب كثرة المني ، وشدة الشبق ( يقصد بذلك الوقت المناسب للمعاشرة الجنسية ) .
ومن علامته : حصول الخفة عقيبه ، بسبب استفراغ الفضول ، وتنقية القلب والدماغ ، عن الابخرة السمية التى يصعدها اليهما احتباس المني ، إلى غير ذلك مما هو مذكور في محله ، بملازمة الاقتصاد فيه بحسب المزاج ، والاحتراز عن الافراط والتفريط ، كما في ساير الامور ..
فالافراط يسقط القوة ، وينهك البدن ، ويضر العصب ، ويوقع في الفالج والتشنج ، ويضعف البصر جدا ، ويوجب السهر بسبب شدة الاستفراغ ، و خروج جوهر الروح مع المني بسبب اللذة .. ومن ثم كان اكثر المواقعين التذاذا ، أوقعهم في الضعف ، و يقوى الشطر البهيمى من النفس ، ويقهر العقل بصرف الهمة إلى التمتع ، فيحرم عن المقصود وهو : العبادة الموصلة إلى لذات الجنة ، وفراغ القلب ، والرياضة كما مر ..
وربما تنكسر شرة النفس بالاكثار منه ( يقصد ضعف القوة الجنسية بما يدفعه لاستعمال الأدوية المهيجة جنسيا ) سيما للامزجة الضعيفة ، ويفضي ذلك إلى تناول الاشياء المقوية ، وغيره من التدبيرات لتكون معاونة للطبيعة فيما فرت عنه ، فيحتاج إلى تضييع الوقت في تحصيل اجزاء المعاجين ، والمغالات في اثمانها ، و الاشتغال بتركيبها ، وتحمل التعب الشديد في ذلك ، وهو كتـنبيه السبع الضاري ممن بلى به ، وهو نائم اعتمادا على ما معه من السلاح الذي به يطيق الدفع بزعمه ، وهو غاية السفه والجهل .. فان السلاح انما يحمل ليحترس به عن السبع لو تحرك بنفسه اتفاقا ، لا لان يحرك بالقصد والعمد ، ويتكلف التعب و الخطر الشديدان في مغالبته .. وليس كل من حمل سلاحا قدر به على قهر السبع ، وسلم من غائلته يقينا ..
واما ما روي عن النبي ( ص ) قال : شكوت إلى جبرئيل ضعف الباه ، فأمرني باكل الهريسة .. فالوجه فيه انه ( ص ) كان قواما على تسع من النساء ، فطلب ذلك لتحصينهن لا للتنعم ، ويؤيده ما ورد من طرق الاصحاب : شكوت كثرة الازواج ( قصده ان هذا نقل آخر للحديث ).. وربما يفضى افراط هذه الشهوة ببعض البطالين إلى العشق ( المرض الوسواسي ) المبحوث عنه في الطب ، ويجعله اضل من الانعام الهائمة ، لان المتعشق ليس بقنع باراقة شهوة الوقاع ، وهي اقبح الشهوات واجدرها بان يستحى منها ......... وفى الحديث انه سئل أبو عبد الله ( ع ) عن العشق ، فقال : تلك قلوب خلت عن محبة الله ، فاذاقها الله حلاوة غيره .
وهذا العشق انما يعترى غالبا الرعاع ، واصحاب النفوس العامية ، دون الاشراف وكبراء النفوس ، والمحتشمين و الخواص الذين في سرهم لطف ، وانما الذي يعتريهم كثيرا : عشق الصور والشمائل الملائمة لطباع ارواحهم ، من غير شهوة مجامعة ، ولا تخيل شئ من جنسها ، وقد ينتقلون منه بالرياضة وصفاء الانفس ، فيرتقون على مدارج العارفين البشاشين ، الذين لا التفات لهم إلى شئ من حظوط النفس وشهواتها ، بل قصوى همتهم وغاية نهمتهم : معرفة الحق الاول تعالى شانه ، كما تقدمت الاشارة إليه .
والتفريط يوجب : الدوار ، وظلمة البصر ، وثقل البدن ، وورم الخصية ، كل ذلك بسبب الاحتباس ...... ويوافقه ما ذكره الاطباء في رسمه من انه : مرض ماليخولي ، يتولد من الاطماع يزيد بالسماع ، وينقص بالجماع .